Pages

Labels

Rabu, 30 Oktober 2013

نشأة تاريخ علم أصول الفقه

نشأة تاريخ علم أصول الفقه
المقدمة :
          إن علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة مر بثلاث مراحل رئيسة، تتمثل المرحلة الأولى في تدوين الإمام الشافعي لهذا العلم الجليل، وتتجلى المرحلة الثانية في الاتجاه الحديثي لعلم الأصول، وذلك على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر، وفي المرحلة الثالثة برز جانب الإصلاح وتقويم العوج الطارئ على علم الأصول، وكان ذلك على يد الإمامين العظيمين ابن تيمية وابن القيم. وكان لهؤلاء الأئمة الخمسة ولغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة جهود بارزة ومؤلفات عديدة أوضحت المنهج، ورسمت الطريق، وحددت المعالم.
المراحل التي مرّ بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة :
المرحلة الأولى :
          تبدأ هذه المرحلة بعصر الإمام الشافعي، وتنتهي بنهاية القرن الرابع تقريبًا. وأهم ما يميز هذه المرحلة هو تدوين الإمام الشافعي لعلم أصول الفقه ، وما يتصل بهذا التدوين من ظروف وأحوال.
          لقد جاء الشافعي في عصر ظهرت فيه مدرستان، استقامت كل واحدة على منهج واحدٍ معين، وكان الفقهاء إلا قليلاً يسيرون على منهج إحدى المدرستين لا يخالفونه إلى نهج الأخرى، إحدى هاتين المدرستين: مدرسة الحديث، وكانت بالمدينة، وشيخها هو مالك بن أنس [1]صاحب الموطأ.
          والمدرسة الثانية: مدرسة الرأي، وكانت بالعراق، وشيوخها هم أصحاب أبي حنيفة[2] من بعده.
          لقد غلب على مدرسة الحديث جانبُ الرواية؛ لكون المدينة موطن الصحابة ومكان الوحي، وغلب على مدرسة الرأي جانب الرأي؛ لعدم توافر أسباب الرواية لديهم، فقد كثرت الفتنُ والوضع والوضاعون.
          إن كلتا المدرستين تتفق على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة، وعدم تقديم الرأي على النص.
        لقد استطاع الإمام الشافعي الجمع بين هذين المنهجين، والفوز بمحاسن هاتين المدرستين، فاجتمع للشافعي فقهُ الإمام مالك بالمدينة، حيث تلقى عنه، وفقهُ أبي حنيفة بالعراق، إذ تلقاه عن صاحبه محمد بن الحسن[3]، إضافة إلى فقه أهل الشام وأهل مصر، حيث أخذ عن فقهائهما.
          يضاف إلى ذلك مدرسة مكة التي تُعنى بتفسير القرآن الكريم وأسباب نزوله، ولغة العرب وعاداتهم، إذ تلقى العلم بمكة على مَنْ كان فيها من الفقهاء والمحدثين حتى بلغ منزلة الإفتاء. كما أن الشافعي خرج إلى البادية، ولازم هُذيلاً وكانت من أفصح العرب، فتعلَّم كلامها وأخذ طبعها، وحفظ الكثير من أشعار الهذليين وأخبار العرب.
          بهذه المعطيات استطاع الإمام الشافعي أن يضع للفقهاء أصولاً للاستنباط، وقواعد للاستدلال، وضوابط للاجتهاد.
          وجعل الفقه مبنيًّا على أصول ثابتة لا على طائفةٍ من الفتاوى والأقضية، لقد فتح الشافعي بذلك عين الفقه، وسن الطريق لمن جاء بعده من المجتهدين ليسلكوا مثل ما سلك وليتموا ما بدأ[4].
        هكذا صنف الإمام الشافعي كتاب "الرسالة"، فكان أول كتاب في علم أصول الفقه.
قال الإمام أحمد بن حنبل[5]
"كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي"[6]
        وقال أيضًا: "كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، فكان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشبع صاحب الحديث من كتب الشافعي[7]
وقال أيضاً: "لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث"[8]
        وقد اشتمل كتاب "الرسالة" على أكثر مباحث الشافعي الأصولية، لكنه لم يشتمل عليها كلها، بل للشافعي مباحث مستقلة غيرها في الأصول.
        فمن ذلك كتاب "جماع العلم"[9] الذي اشتمل على حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها، وحكاية قول من ردَّ خبر الواحد، ومناظرة في الإجماع، وغير ذلك، وقد كان تأليفه له بعد كتاب "الرسالة"[10] ومن ذلك كتاب "اختلاف الحديث"[11]
        فقد ألفه بعد كتاب جماع العلم[12] وبيَّن فيه أنواع الاختلاف الوارد في الأحاديث النبوية، وبوَّبه تبويبًا فقهيًّا.
        وللشافعي –أيضًا- كتاب "صفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم"[13]، وكتاب "إبطال الاستحسان"[14]. أما الكلام على كتاب "الرسالة" فسيأتي لاحقًا إن شاء الله تعالى.
لقد وضع الشافعي اللبنة الأولى في تدوين علم الأصول، وأوضح معالم هذا الفن وجلَّى صورته.
        والإمام الشافعي فيما فعل كان مقتفيًا بأثر من قبله، متبعاً لا مبتدعاً، اعتمد فيه على هدي الكتاب والسنة، وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم، وآثار الأئمة المهتدين، واستفاد –أيضاً- من علم العربية وأخبار الناس، والرأي والقياس، ولعل أهم القضايا الأصولية التي قررها الشافعي، وسعى إلى بيانها في آثاره التي بين أيدينا :
1.   بيان الأدلة الشرعية، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وتوضيح مراتبها.
2.   إثبات حجية السنة عموماً، وتثبيت خبر الواحد خصوصًا، وبيان أنه لا تعارض بين الكتاب والسنة، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
3.   بيان وجوب اتباع سبيل المؤمنين.
4.   تحديد ضوابط الأخذ بالرأي، وشروط استعمال القياس.
5.   إبطال القول على الله بلا علم، دون حجة أو برهان.
6.   التنبيه على أن القرآن نزل بلغة العرب، وأن فيه عدداً من الوجوه الموجودة في اللسان العربي.
7.   بيان الأوامر والنواهي.
8.   ذكر الناسخ والمنسوخ.
هذا فيما يتعلق بجهود الإمام الشافعي وآثاره.

المرحلة الثانية :
        تبدأ هذه المرحلة من أوائل القرن الخامس، وحتى نهاية القرن السابع على وجه التقريب، وقد برز في هذه المرحلة إمامان :
1.   إمام أهل السنة في المشرق الخطيب البغدادي صاحب كتاب "تاريخ بغداد".
2.   إمام أهل السنة في المغرب أبو عمر بن عبد البر[15] صاحب كتاب "التمهيد".
        أما حافظ بغداد فقد صنف في أصول الفقه كتاب "الفقيه والمتفقه" الذي جعله نصيحه لأهل الحديث. ويعد هذا الكتاب امتداداً لكتاب الرسالة للشافعي، ثم إنه أضاف فيه قضايا جدلية ومباحث متعلقة بأدب الفقه، وسيأتي الكلام لاحقًا على هذا الكتاب.
        أما حافظ الأندلس فقد صنف كتاب "جامع بيان العلم وفضله" استجابة لمن سأله عن معنى العلم، وعن تثبيت الحجاج بالعلم، وتبيين فساد القول في دين الله بغير فهم، وتحريم الحكم بغير حجة، وما الذي أجيز من الاحتجاج والجدل وما الذي كره منه؟ وما الذي ذم من الرأي وما حمد منه؟ وما يجوز من التقليد وما حرم منه؟ فأجابه الشيخ إلى ما سأل قائلاً :
        ورغبت أن أقدم لك قبل هذا من آداب التعلم، وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وكيف وجه الطلب، وما حمد ومدح فيه من الاجتهاد والنصب إلى سائر أنواع الآداب التعلم والتعليم وفضل ذلك، وتلخيصه بابًا بابًا مما روي عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين لتتبع هديهم، وتسلك سبيلهم، وتعرف ما اعتمدوا عليه من ذلك مجتمعين أو مختلفين في المعنى منه، فأجبتك إلى ما رغبت.
        ومما مضى تبين أن الكتاب يبحث في موضوعين :
الأول: في فضل العلم وآداب أهله.
الثاني: في مباحث أصولية.
استغرق الموضوع الأول نصف الكتاب الأول تقريبًا.
وكان من أبرز المباحث الأصولية التي تكلم عليها في النصف الآخر من الكتاب :
1.   أصول العلم: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
2.   ما جاء في أن العلم هو ما كان مأخوذاً عن الصحابة، وما لم يؤخذ عنهم فليس بعلم.
3.   الاجتهاد والقياس.
4.   التقليد والاتباع.
5.   الفتوى.
6.   موضع السنة من الكتاب وبيانها له.
        ويلاحظ استفادة ابن عبد البر من مروياته الحديثية، ومن النقل عن أئمة المالكية[16]، وحرصه على نقل ما عليه سلف الأمة، وهو يعقب –في الغالب- على ما يروي من آثار وأحاديث، وعلى ما ينقل بقوله: "قال أبو عمر" أو "قلت"[17]
وقد نقل ابن عبد البر من كتب الشافعي في مواضع.
        وفي الجملة فإن هذا الكتاب مليء بالآثار والنقول المسندة عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم، ومشتمل على أقوال ثلة من أهل العلم المتقدمين.       والكتاب بحاجة إلى دراسة حديثية لآثاره وأسانيده، وتنظيم طباعي، وتحقيق علمي لمباحثه الأصولية، ومقدمة دراسية عن المؤلف وكتابه، وفهارس دقيقة متنوعة.
        وقد ظهر في هذه المرحلة أيضًا كتابان:
الأول: كتاب "تقويم الأدلة" لأبي زيد الدبوسي[18].
والثاني: كتاب "المستصفى" للإمام الغزالي[19].
وكلا هذين الكتابين يمثل اتجاهًا مستقلاً في أصول الفقه.
        فالأول يقول عنه ابن خلدون[20]: "أما طريقة الحنفية فكتبوا فيها كثيراً، وكان من أحسن كتابة فيها للمتقدمين تأليف أبي زيد الدبوسي"[21]
        وقال أيضاً: "وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم –أي الحنفية- فكتب في القياس بأوسع من جميعهم، وتمم الأبحاث والشروط التي يُحتاج إليها فيه. وكملت صناعة أصول الفقه بكماله، وتهذيب مسائله وتمهدت قواعده"[22].
        وأما الثاني وهو كتاب "المستصفى" فإنه يعتبر واسطة العقد في كتب المتكلمين الأصولية، فهو جامع لما سبقه من مؤلفات أصولية، وما بعده لا يخلو من الاستفادة منه، وبه اكتملت أركان علم الأصول، وفيه نضجت مباحثه وتمت مسائله.
        وقد أحسن أهل السنة التعامل مع هذين الكتابين المهمين، والاستفادة مما فيهما.
أما كتاب "تقويم الأدلة" للدبوسي فقد تصدَّى له أبو المظفر ابن السمعاني في كتابه قواطع الأدلة.



وكتاب القواطع امتاز بتوسطه بين طريقتين: طريقة الفقهاء، وطريقة المتكلمين.
        فهو لم يجرد كتابه عن الفروع الفقهية، بل أورد فيه عددًا من المسائل الفقهية، كما أنه حرر المسائل وأصَّل القواعد على أدلة الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، وقد أكثر من النقل عن الإمام الشافعي خاصة[23] وعن غيره من أئمة أهل السنة.
وقال ابن السبكي عن هذا الكتاب:
        لا يوجد كتاب في أصول الفقه أحسن من كتاب القواطع ولا أجمع، كما لا أعرف فيه أجل ولا أفحل من برهان إمام الحرمين. فبينهما في الحسن عموم وخصوص"[24].
        أما كتاب "المستصفى" للغزالي فقد قام باختصاره وتهذيبه الإمام الموفق ابن قدامة، وذلك في كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر"، وسيأتي الكلام على ذلك لاحقًا"[25].
المرحلة الثالثة :
        بداية هذه المرحلة هي بداية القرن الثامن، وتنتهي بنهاية القرن العاشر تقريبًا، وقد برز في هذه المرحلة –في أوائلها- إمامان جليلان. حفظ الله بمهما منهج أهل السنة والجماعة، وجدَّد الله بهما هذا الدين.
إنهما شيخ الإسلام ابن تيمية[26] وتلميذه ابن قيم الجوزية[27].
        وقد وافق عصر هذين الإمامين اتساع جهود المتكلمين الأصولية[28] فقد توافرت كتبهم، المختصرات منها والمطولات، وتداول الناس هذه الكتب، وعمت مطالعتها ودراستها[29]، ويمكن تلخيص دور هذين الإمامين إزاء هذا التيار في جانبين :
        الجانب الأول: تأصيل قواعد أهل السنة والجماعة، وتثبيت دعائم منهج السلف الصالح بالحجة البالغة والبرهان الساطع، والرجوع في كل ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما دل عليه العقل الصريح والفطرة السليمة، وما ورد عن الصحابة والتابعين. وعدم الالتفات إلى مناهج المناطقة ومسالك الفلاسفة.
        إن القضايا والمطالب التي اشتغل ابن تيمية بإظهارها وبيانها أو ابن القيم[30] إنما هي قضايا كلية ومطالب أساسية، عليها تبنى مسائل كثيرة وفروع عديدة.
فمن الأمثلة على ذلك[31].
        أ- وجوب اتباع الكتاب والسنة إتباعاً عاماً، وأنه لا تجوز معارضتهما برأي أو عمل أو ذوق أو غير ذلك، بل يجب أن يُجعلاهما الأصل، فما وافقهما قُبِلَ، وما خالفهما رُدَّ.
        ب- أن الكتاب والسنة وإجماع الأمة أصول معصومة، تهدي إلى الحق، لا يقع بينها التعارض، وأن القياس الصحيح موافق للنص أيضًا.
        ج- أن للعلماء في اجتهاداتهم أسباباً وأعذاراً، والواجب في المسائل الاجتهادية بيان الحق بالعلم والعدل.
        د- أن أحكام الشريعة مشروطة بالقدرة والاستطاعة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
        هـ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتم بيان هذا الدين، فالدين كامل والنصوص محيطة بأفعال المكلفين، وأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة للثقلين وهي ضرورية للخلق.
        الجانب الثاني: الرد على الباطل وكشف زيفه، وبيان بطلانه، وذلك بعد الوقوف على مآخذه لدى أهله؛ لمقارعة الحجة بالحجة.
        كل ذلك بأدلة المنقول والمعقول، مع النصيحة والبيان، فكان هذا الصنيع تصحيحاً للخطأ وتقويماً للاعوجاج، وتوضيحاً للحق ودعوة إليه، وفضحًا للباطل وتحذيراً منه.
ومن الأمثلة على ذلك[32].
        أ- مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وبيان طرفي الانحراف في هذه المسألة.
        ب- جناية التأويل وخطورته، وبيان الصحيح منه والباطل.
        ج- الرد على من زعم أن النصوص تفيد الظن ولا تفيد اليقين، وذكر الأدلة على ذلك.
        د- درء التعارض بين العقل والنقل، وإقامة الأدلة والشواهد على ذلك.
إن جهود ابن تيمية وابن القيم وآثارهما الجليلة امتداد لآثار من سبقهم من أئمة أهل السنة والجماعة، فقد استفاد هذان الإمامان من جهود ابن عبد البر والخطيب البغدادي وابن السمعاني، ومن قبلهم الإمام الشافعي وغير هؤلاء من الأئمة. يضاف إلى ذلك أن جهود هذين الإمامين تمثل دراسة تقويمية لكتب المتكلمين الأصولية، ونقداً لقواعد المتكلمين ومناهجهم، وبيانًا لما لها وعليها انطلاقاً من منهج السلف الصالح.
        وإذا أردنا الوقوف على آثار هذين الإمامين في أصول الفقه فإنه من الصعوبة الإحاطة بهذه الآثار على وجه الدقة، ذلك لضخامة تراثهم وسعة امتداده من جهة، ومن جهة أخرى فإن تآليهما تتصف بالاستطراد والتشعب، فما أن يبتدئ الواحد منهما بموضوع حتى يُفرِّغ الكلام على غيره، وهذا يجرُّه إلى غير وهكذا، ولعل صفة الاستطراد عند ابن تيمية أظهر وأقوى منها بالنسبة إلى ابن القيم.
        لذا حسن جمع ما لهذين الإمامين من أبحاث أصولية في قائمتين خاصتين[33] وفي هذا المقام يمكن الإشارة إلى كتابين مستقلين في أصول الفقه لهذين الإمامين، الأول كتاب "المسودة" لآل تيمية، والثاني كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم، على أن الأخير من هذين الكتابين ليس خاصاً في أصول الفقه إلا أن معظم مباحثه تتعلق بالأصول.
        أما كتاب "المسودة" فإنه في الأصل نقول[34] جمعها مجد الدين عبد السلام ابن تيمية الحراني، جدُّ شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية، وتركها دون أن يبيضها، فعلق على بعضها ابنه شهاب الدين عبد الحليم[35]، والد شيخ الإسلام، وتركها أيضاً مسودة دون أن يبيضها، ثم جاء شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية فعلق على بعضها وتركها أيضًا مسودة دون أن يبيضها، ثم قيض الله لهذه المسودات أحد تلاميذ[36] شيخ الإسلام ابن تيمية فجمعها ورتبها وبيضها وميز بعضها عن بعض، فما كان لشيخه قال فيه: "قال شيخنا"، وما كان لوالد شيخه قال فيه: "قال والد شيخنا"، وما كان لصاحب الأصل مجد الدين تركه مهملاً[37].
        والكتاب ضم جملة من النقول عن أئمة الحنابلة الأصوليين، وهذا هو الغالب فيه، لذا فهو مجمع لكثير من أقوال الحنابلة، ومرجع لتحرير مذهب الإمام أحمد في عدد من المسائل الأصولية. والكتاب بحاجة إلى تنقيح وتهذيب لوجود تكرار في بعض مباحثه، وإلى ترتيب، إذ هو عبارة عن مسائل وفصول لا يجمعها باب ولا يضمها عنوان، فالكتاب إذن يحتاج إلى فهرسة دقيقة، إضافة إلى أن الكتاب لا يطمأن إليه في نسبة ما فيه إلى مؤلفيه؛ إذ تركوه دون تحرير ولا تحقيق، فهو مسودة[38].
أما كتاب "إعلام الموقعين" فقد ذكر فيه ابن القيم مباحث أصولية مهمة أفاض الكلام عليها. فمن هذه المباحث.
1.   القياس.
2.   الاستصحاب.
3.   التقليد.
4.   الزيادة على النص.
5.   قول الصحابي.
6.   الفتوى.
7.   دلالة الألفاظ على الظاهر.
8.   سد الذرائع وتحريم الحيل.
        وقد امتاز هذا الكتاب بكثرة الأمثلة الفقهية على عدد من المسائل الأصولية[39]، وامتاز أيضًا ببيان حكمة التشريع ومقاصد الشريعة، إضافة إلى حسن البيان وجمال الأسلوب، كما أن الكتاب جامع لكثير من الأحاديث النبوية، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين، وفيه نقول مطولة مهمة عن بعض الأئمة.
        فهو بذلك غاية في منهج أهل السنة والجماعة، وعمدة في بيان طريقة السلف، والكتاب يحتاج إلى تخريج آثاره وفهرسة مباحثه ومطالبه، وحقيق بدراسة تبرز محاسنه، وتفصح عن منهج مؤلفه ومصادره فيه ومقاصده منه.
        وفي هذه المرحلة أيضًا ظهرت لبعض علماء أهل السنة مؤلفات أصولية، إلا أنها على وجه العموم تأثرت بمنهج المتكلمين جملة.
وهذا التأثر يختلف من كتاب إلى آخر.
        وفي المقابل قد حافظت هذه المؤلفات في الجملة على منهج السلف، وهذه المحافظة أيضًا تختلف من كتاب إلى آخر.
الاختتام :
ثلاثة مراحل التي مرّ بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة :
المرحلة الأولى :
          تبدأ هذه المرحلة بعصر الإمام الشافعي، وتنتهي بنهاية القرن الرابع تقريبًا. وأهم ما يميز هذه المرحلة هو تدوين الإمام الشافعي لعلم أصول الفقه ، وما يتصل بهذا التدوين من ظروف وأحوال.

المرحلة الثانية :
        تبدأ هذه المرحلة من أوائل القرن الخامس، وحتى نهاية القرن السابع على وجه التقريب، وقد برز في هذه المرحلة إمامان :
1.   إمام أهل السنة في المشرق الخطيب البغدادي صاحب كتاب "تاريخ بغداد".
2.   إمام أهل السنة في المغرب أبو عمر بن عبد البر[40] صاحب كتاب "التمهيد".
المرحلة الثالثة :
        بداية هذه المرحلة هي بداية القرن الثامن، وتنتهي بنهاية القرن العاشر تقريبًا، وقد برز في هذه المرحلة –في أوائلها- إمامان جليلان. حفظ الله بمهما منهج أهل السنة والجماعة، وجدَّد الله بهما هذا الدين. إنهما شيخ الإسلام ابن تيمية[41] وتلميذه ابن قيم الجوزية





مصادر البحث :
عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية، مؤسسة الرسالة.
القاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلي الفراء البغداد الحنابلة حققه وقدم له وعلوم عليه الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثمين، طبقات الحنابلة، الجزء الأول.    
إمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي، تعليق وتحقيق أحمد محمد شاكر، جماع العلم، مكتبة ابن تيمية لطباعة ونشر الكتب السلفية.
الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشيّ الدمشقي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، البداية والنهاية، دار عالم الكتب.
عبد السلام عبد الحليم أحمد بن عبد الحليم آل تيمية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، المسودة في أصول الفقه، القاهرة، الجزء الأول.
الإمام محمد أبو زهرة، الشافعي، حياته وعصره-آراؤه وفقهه، ملتزم الطبع والنشر، دار الفكر العربي، القاهرة.
مقدمة ابن خلدون، القسم الأول من المقدمة في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه و الالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط و ذكر شيىء من أسبابها.
إبن فرحون المالكي، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، الجزء الأول، مطبعة المدينة.




            [1] هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، أحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعي التابعين. سمع نافعًا مولى ابن عمر رضي الله عنهما روى عنه الأوزاعي والثوري وابن عيينة والليث بن سعد والشافعي، أجمعت الأمة على إمامته وجلالته والإذعان له في الحفظ والتثبيت، له كتاب "الموطأ" ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ). انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/75) و"شذرات الذهب" (1/289).
            [2] هو النعمان بن ثابت بن كاوس، أبو حنيفة الفقيه الكوفي، إليه ينسب المذهب الحنفي، كان عالماً عاملاً زاهداً عابداً، وكان إماماً في القياس، عرف بقوة الحجة، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ) انظر: "وفيات الأعيان" (5/405) و"الجواهر المضيئة" (1/49).
            [3] هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة، وعنه أخذ الفقه، ثم عن أبي يوسف، وروى عن مالك والثوري، وروى عنه ابن معين، وأخذ عنه الشافعي، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة فيمن نشره، وكان فصيحاً بليغاً عالمًا فقيهًا، له كتاب "السير الكبير والسير الصغير" و"الآثار". ولد سنة (132هـ) وتوفي سنة (189هـ)، انظر "تاج التراجم" (337) و"شذرات الذهب" (1/321).
            [4] انظر: "الشافعي" لأبي زهرة (354).
            [5] هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله الفقيه المحدث، إليه ينسب المذهب الحنبلي، كان إماماً في الفقه والحديث والزهد والورع، له كتاب "المسند" ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ). انظر طبقات الحنابلة" (1/4) و"سير أعلام النبلاء" (11/177).
            [6] انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/61).
                [7]انظر: المصدر السابق، و"مقدمة كتاب الرسالة"
            [8] انظر: "الشافعي" لأبي زهرة (186).
            [9] طبع هذا الكتاب مستقلاً بتحقيق العلامة أحمد شاكر.
            [10] انظر: "جماع العلم" (7، 25، 32).
            [11] طبع هذا الكتاب مستقلاً بتحقيق محمد أحمد عبد العزيز.
            [12] انظر: "اختلاف الحديث"
            [13] طبع هذا الكتاب بتحقيق العلامة أحمد شاكر في آخر كتاب "جماع العلم".
                [14] طبع هذا الكتاب مستقلاً في رسالة صغيرة بتقديم الشيخ علي بن محمد بن سنان.
            [15]  هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما. كان موفقاً في التأليف معانًا عليه ونفع الله به. له كتاب "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" و"الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار"، و"الاستيعاب في أسماء الأصحاب" توفي سنة (463هـ) انظر: "الديباج المذهب" (357) و"شذرات الذهب" (3/314).
            [16] كالإمام مالك وأشهب وابن القاسم وابن وهب. انظر مثلاً (2/72، 73، 81، 88، 95).
            [17] وقد يسر الله جمع أراء ابن عبد البر الأصولية في رسالة علمية قدمها الباحث العربي بن محمد فتوح بعنوان: "أصول الفقه عند ابن عبد البر جمعاً وتوثيقاً ودراسة" حصل بها على درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة (1411هـ).
            [18] صدرت مؤخراً طبعة جديدة بتحقيق أبي الأشبال الزهيري.
            [19] هو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي، أبو زيد، كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، له كتاب "الأسرار" و"تقويم الأدلة" و"الأمد الأقصى". توفي سنة (430هـ) انظر: "تاج التراجم" (192) و"شذرات الذهب" (3/345).
            [20] هو محمد بن محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، حجة الإسلام وأعجوبة الزمان، صاحب التصانيف والذكاء المفرط، شيخ الشافعية، برع في علوم كثيرة. له "إحياء علوم الدين" و"المنخول" و"البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز". توفي سنة (505هـ) انظر: "سير أعلام النبلاء" (19/322). و"الأعلام" (7/22).
            [21] هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الأشبيلي المالكي، ولي الدين أبو زيد، ولي قضاء المالكية بالقاهرة ثم عزل، عالم أديب مؤرخ، له كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" المعروف بتاريخ ابن خلدون، وله "الباب المحصل في أصول الدين". توفي سنة (808هـ) انظر: "شذرات الذهب) (7/76) و"معجم المؤلفين" (5/188).
            [22] مقدمة ابن خلدون" (361).
            [23] قواطع الأدلة": "234، 235).
            [24] هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، تاج الدين أبو النصر، اشتغل بالقضاء، له مصنفات منها: "الإبهاج" وقد أكمله بعد أبيه و"جمع الجوامع" و"طبقات الشافعية الكبرى" و"الوسطى" و"الصغرى". توفي سنة (771هـ). انظر: "شذرات الذهب" (6/221) و"معجم المولفين" (6/225).
            [25] هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، أبو المعالي الملقب بإمام الحرمين، إذ جاور بمكة أربع سنين والمدينة، شيخ الشافعية في زمانه المجمع على إمامته وغزارة مادته وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، من تصانيفه "الشامل" و"التلخيص لكتاب التقريب للباقلاني" توفي سنة (478هـ) انظر: "سير أعلام النبلاء" (18/468) و"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (3/249).
            [26] مثل كتب الباقلاني، والجويني، والغزالي، والرازي. وظهرت أيضًا المعتزلة كالقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين البصري.
            [27] ومن جهة أخرى فقد استفاد ابن قدامة من كتب الحنابلة المتقدمين كـ"العدة" للقاضي أبي يعلى، و"التمهيد" لأبي الخطاب، و"الواضح" لابن عقيل. وقد بدا جليِّا تأثر هؤلاء بالمتكلمين واستفادتهم منهم.
            [28] هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني ثم الدمشقي، تقي الدين أبو العباس، تفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع في التفسير والحديث، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب، وأتقن العربية ونظر في العقليات وأقوال المتكلمين وردَّ عليهم ونصر السنة، وأوذي في ذات الله واعتقل وسجن. له تصانيف كثيرة منها: "منهاج السنة النبوية" و"الاستقامة" و"درء تعارض العقل والنقل". توفي سنة (728هـ) انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"و"شذرات الذهب" (6/80).
            [29] هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله ابن قيم الجوزية، تفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع وأفتى، لازم ابن تيمية وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإسلام، وله في كل فن اليد الطولى. وكان ذا عبادة وتهجد، وقد امتحن وأوذي مرات، وصنف تصانيف كثيرة منها: "زاد المعاد في هدي خير العباد" و"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة". توفي سنة (751هـ) انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/447) و"معجم المؤلفين" (9/106).
            [30] لم يقتصر الأمر على جانب أصول الفقه، بل إن منهج المتكلمين قد شاع وذاع في مباحث العقيدة أيضًا، وقد تصدى هذان الإمامان للرد عليهم. فمن ذلك "بيان تلبيس الجهمية" لابن تيمية و"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم، وغير ذلك.
            [31] من هذه الكتب: "المحصول" للرزاي و"الإحكام" للآمدي و"مختصر ابن الحاجب" و"المنهاج" للبيضاوي. انظر: "مقدمة ابن خلدون" (361).
            [32] في هذا المقام أنبه على ما ذكر الشيخ بكر أبو زيد من أن ابن القيم ليس نسخة من شيخه ابن تيمية كما قال ذلك بعض المغرضين. انظر: "التقريب لفقه ابن القيم"، القسم الأول، (119-132).
            [33] انظر هذه الأمثلة وغيرها فيما يأتي (ص538-560) من هذا الكتاب.
            [34] انظر هذه الأمثلة وغيرها فيما يأتي (ص538-560).
            [35] هذه النقول عن القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم من الحنابلة المتقدمين.
            [36] هو عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي ابن تيمية، أبو البركات الحراني، مجد الدين، الفقيه الحنبلي، والمحدث والمفسر والأصولي. له كتاب "منتقى الأخبار" في أحاديث الأحكام وكتاب "الأحكام الكبرى" و"المسودة". توفي سنة (652هـ) انظر: "البداية والنهاية" (13/198) "ذيل طبقات الحنابلة" (2/249).
            [37] هو عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية الحراني، شهاب الدين أبو المحاسن، ابن المجد، أتقن المذهب الحنبلي ودرس وأفتى، وكان إمامًا محققاً، وله يد طولى في الفرائض والحساب، قيل عنه: كان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، إشارة إلى أبيه وابنه. توفي سنة (682هـ). انظر: "شذرات الذهب" (5/376).
            [38] هو أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، شهاب الدين أبو العباس، توفي سنة (745هـ). انظر: "شذرات الذهب" (6/142).
            [39] كتاب "المسودة" في أصول الفقه طبع في مجلد واحد وتعليق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد وذكر في مقدمته لهذا الكتاب أنه يمتاز بالعناية بتحرير محل النزاع، وببيان أصحاب الأقوال في المسائل المختلف فيها بياناً مستقصياً، وقد حقق الكتاب الدكتور أحمد الندوي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في مرحلة الدكتوراه سنة (1405هـ).
            [40]  هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما. كان موفقاً في التأليف معانًا عليه ونفع الله به. له كتاب "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" و"الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار"، و"الاستيعاب في أسماء الأصحاب" توفي سنة (463هـ) انظر: "الديباج المذهب" (357) و"شذرات الذهب" (3/314).
            [41] مثل كتب الباقلاني، والجويني، والغزالي، والرازي. وظهرت أيضًا المعتزلة كالقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين البصري.

0 komentar:

Posting Komentar

 

Blogger news

Blogroll

About